﴿وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ ��

الخميس، 25 أغسطس 2016

سعي ٢ | ريم الميمان | فنجانٌ من الصفر

















بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقطة المنتصف أشدُّ ألمًا لأنّك لم تعد تعلم أيُّهما صار أقرب إليك..

الوصول أم العودة


كنت حائرة في نقطة المنتصف تلك ..

وكأنّي أقف على آخر خشبةٍ لم تهلك في وسط المحيط ..
أأتوقّف عند هذا الحدّ أم أشقّ طريقي قاصدةً هدفي البعيد؟
هل سأصل إليه حقًّا إن أكملت مشواري؟
أم هو مجرّد سرابٍ ينتظرني عند النّهاية؟




في هذه النّقطة كنت أوّد أنّ أعتذر من المشرفة عن قيادة المقهى،

شعرت حينها أنّي ربّما لم أكن كفؤًا كما تصوّرت
وكما تصوّر من حولي عنّي ..
أحسست بالضّعف وقتها لأنّي فشلت في تلك التّجربة،
لم أعتقد أنّي قد أنجح في إدارةِ هذا المشروع
حتّى وإن حاولت مجدّدًا وبدأت من الصّفر مرّةً أخرى.



خجلت!

خجلت من نفسي وممّن تأملوا فيني،
شعرت وكأنّني قد خذلتهم جميعًا .. وأوّلهم نفسي.

اجتاحني شعورٌ غريب وسط غرقي في يأسي من هذه التّجربة ..

وكأنّ شخصًا ما يربّت على كتفي الّذي انحنى من شدّة اليأس
و يهمسُ في أذني “وللهِ في كلِّ شيءٍ لطفٌ خفيّ
هذه العبارة كانت بمثابة عود الكبريت
الّذي أشعل فتيلة حماسي من جديد
لا أعلم كيف أو أين أو متى حصل ذلك .. 
ولكنّي فقط أعلم أنّه حدث!

قبل أن أخوض في مزيدٍ من تفاصيل التّجربة 

أعرّفكم قليلًا بنفسي ..

أنا ريم الميمان، عمري ١٩ عامًا
والمديرة التّنفيذيّة لمقهى “ندوتي” مكتب المعذر.



التّجربة معلّمة قاسية، 

تجعلك تخوض الامتحان أوّلًا ثمّ تعلّمك الدّرس!
فعلًا كانت قاسية؛ ولكن أكاد أجزم أنّها إن لم تكن بقسوتها تلك
لما استطعت أن أبدأ من جديدٍ وأن أستفيد من كل صخرةٍ تعثّرت بها
لأمهّد طريقي نحو النّجاح في البداية الجديدة.

بدأت في قيادة مقهى “ندوتيمكتب المعذر قبل سنتين من الآن تقريبًا.


حين عُرِض عليّ أن أتولّى إدارته لم أدع لنفسي الفرصة

بأن أعتذر أو حتّى أفكّر، 
كلّ ما كان يجول في ذهني وقتها 
فرصة مثل هذه وأنا بهذا العمر مو ممكن تتكرّر
وافقت على العرض بعد أن طُرح السّؤال علي ب١٠ ثوانٍ ربما.

بدأت المقهى بميزانيّة (٥٠٠ ريال) فقط
لملتقى أسبوعي (مجموع أيّام التّشغيل ١٤ يوم
كانت المشرفة معارضة على رأس المال الّذي اخترت رقمه بنفسي،
معارضتها واستغرابها الشّديدين زادا من حماس التّحدّي لديّ
في أن أثبت لها أنّي أستطيع أن أشغّل هذا المبلغ "البسيط بنظرها"
وأكوّن منه أرباحًا.

يومها، كنت فقط أنتظر اللّحظة الّتي سأصل فيها إلى المنزل

حتّى أبلغ والدتي بالأمر،
كان الحماس يتوقّد من عينيّ وظاهرٌ في ملامح وجهي ..

وَصَلْت، ووَصَلَت الصّدمة الأولى!

كنتُ قد رسمت في مخيّلتي لوحةً في غاية الجمال عن المقهى،
ما إن وصلت تلك الصّدمة حتّى كست لوحتي سوادًا وعتمة.

- كيف سأكوّن فريقًا شغوفًا ويُعتمد عليه؟

- كيف سأوفّر منتجات وأطباق لذيذة وبسعر رمزي 
وأكسب منها أرباحًا؟

- كيف سأبدأ مشروعًا كهذا وأنا لا أمتلك خبرةً في هذا المجال
سوى أنّي أحبّ التّجارة؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير الكثير كانت قد حجبت النّور
الّذي كنت أراه في المقهى عن عينيّ!




أخبرت أمّي وقتها عن المقهى وعن صدمتي حياله
وإنّي قد قرّرت أن أتّصل بالمشرفة وأعتذر منها عن قيادته،
لم توافقني أمّي قراري، حاولت إقناعي بأنّي بإذن الله سأستطيع
وأنّ الله سييسّرها لي إن كان عملي خالصًا لوجهه فيه
بما أنّه عملٌ تطوّعيّ ولا أكسب من ورائه قرشًا.

اقتنعت حينها أنّي بإذن الله سأستطيع أن أنجح
وأن أبدأ تجربة شيّقة وجديدة في حياتي؛
كنتُ دائمًا ما أقول لنفسي
لن يكون الأمرُ سهلًا .. ولكنّه ليس مستحيلًا
فلمَ أحرم نفسي فرصة تجربة كهذه 
قد تضيف لي الكثير وأنا في سنٍّ صغيرة؟





كوّنت فريقي وبدأنا بالعمل ..
نكسب أيّامًا ولا يأتينا أيُّ ربحٍ بعضُ أيّام ..
في مرّة خطّطنا بأن نقدّم فكرةً أشبه بفكرة “بوفيه مفتوح
جهّزنا وكنّا في أوجّ حماسنا أنّنا استطعنا التّخطيط
بشكلٍ يجعل من صافي ربحنا في هذا اليوم قرابة ١٠٠٪ من رأس المال؛

الفاجعة كانت عند حسابي للدّخل لذلك اليوم ..

هي أنّنا قد خسرنا نصف رأس مال المقهى! “٢٥٠ريال”!
أي ينقصنا هذا المبلغ حتّى نوازن الحسابات.

يومها شعرت باليأس الشّديد،

كيف يمكننا أن نكمل عملنا على هذا الحال؟
كنت في هذه الفترة أتحسّس كثيرًا
حين يجيء اسم المقهى على لسان أحدهم،
حين يُنتقد أو يُقدّم لنا اقتراحًا.
كنت كالأمّ الّتي لا تتقبّل أن تسمع أي كلمة تسوء
أو تلمّح بأنّ طفلها فيه عيبٌ أو نقص
حتّى وإن كانت متأكّدة من وجود ما ذُكر فيه.



لم يكن هذا ما يؤرّقني فحسب؛

كنت طالبة بالثّانويّة أحتاج لأن تكون درجاتي في المدرسة
واختبارات القياس مرتفعة حتّى أستطيع الدّخول للجّامعة
والتّخصّص اللّذان أريد،
وكنت طالبة في الوقت ذاته في دارٍ لتحفيظ القرآن الكريم بالفترة المسائيّة،
ناهيكم عن الدّورات وورش العمل الّتي كنت أحضرها باستمرار
كلّ أسبوعين. كان ضغطًا كبيرًا علي،
ضغطًا قد فاق طاقتي واحتمالي،
كتفاي لم يعودا قادرين على حمل كلّ هذا، ضعفت كثيرًا.

هنا كانت نقطة المنتصف .. في هذه الفترة تحديدًا.



لم يكن سهلًا أبدًا شعور الفشل في تجربة، مؤلمٌ جدًّا،

لأنّ شعورًا بالخيبة من نفسك يسكنك
حتّى تشعر أنّك لم تكن الشّخص المناسب لهذا المكان.


















بعد أن قرّرت أن أقف مرّةً أخرى على قدماي

كنت أشجّع نفسي بأنّي أستطيع خوض التّجربة من جديد
والاستفادة من كلّ ما واجهني في تجربتي الأولى. أعتقد
أنّ هذا الاقتباس هو الأنسب لموقفٍ كهذا 
قف على ناصية الحلمِ وقاتل
أن أقاتل وأناضل وأحاول حتّى أصل لحلمي وهدفي.







قرّرت أن أبدأ بدايةً جديدةً كلّيًّا،

وكأنّي أعيد تهيئة مشروع المقهى من جديد لأبدأ من الصّفر؛
ولكن يختلف صفرُ هذه المرّة عن المرّة الأولى،

في المرّة الأولى كنت صفرًا في الخبرة والممارسة
وفي معرفة نقاط الضّعف والعقبات، صفرًا في كلّ شيء،

أمّا هذه المرّة فأنا صفرٌ ذو خبرة وممارسةٍ قليلة،
صفرٌ قد جرّب بنفسه وعرف مواطن الضّعف والقوّة،
عرف إلام يحتاج وماذا يفعل،
وأضيف شيئًا على الصّفر الجديد .. 
كنتُ صفرًا بالمال.




أردت أن أبدأ كلّ شيءٍ من الصّفر،

حتّى المال الّذي سنشغّل به المقهى أردته أن يكون من عرق جبيننا
لا سُلفةً أو تمويلًا أو غيرها؛
بعد أن كوّنت فريقي المنتقى بعناية شديدةٍ جدًّا
أطلعتهم على فكرةٍ نستطيع من خلالها تكوين رأس مالٍ من الصّفر؛






كانت الفكرة أن نقيم مسابقةأفضل مقهى” بين الأسر والفرق في الملتقى،
يعملون على نمط فكرةٍ معيّنة من حيث الدّيكور والأطباق 
والزّيّ وغيرها -كمقهى شامي مثلًا- ومن ثمّ نقيّم المقهى الأفضل
ويفوز معنا بالجائزة!

أين الذّكاء بالفكرة؟ 
وكيف سنحصل على المال من خلالها؟

كانت الفكرة تكمن هنا، في بنود وضوابط المسابقة؛
إحدى البنود نصّ على أنّ (رأس المال الذي دفعه الفريق أو الأسرة
يعود لهم كاملًا في حين يعود الرّبح لفريق المقهى).

كم أصبح رأس مالنا بعد هذا المسابقة؟

قرابة ٣٠٠٠ ريال.

كانت هذه الخطوة أشبه باستلام جائزة على تخطي المرحلة الأولى بسلام،

وكأنّ أحدهم يقول لنا أنتم تسيرون في الطّريق الصّحيح
واصلوا سيركم هنا.

بدأنا بعدها بوضع حلٍّ لكلّ عقبةٍ واجهتنا

(المتطوّعات، التّوريد، الأنشطة …)







لم نكتفِ عند هذا الحدّ .. طموحنا لو يتوقّف بل كان أعلى؛
تخيّلنا يومًا لو أنّا أقمنا برنامجًا للأطفال من فكرة وتنفيذ وإشراف المقهى،
لم نتوقّف عن كونه تخيّل أو مجرّد أمنية!
بل سعينا وفكّرنا وخطّطنا حتّى خرجنا بأوّل نسخةٍ ناجحة
بعد توفيق الله عزّ وجلّ لنا من برنامج “خلطبيطة بالصّلصة

















كانت أيّام البرنامج أشبه بالخيال، 
سريعة وسلسة ومليئة بالأحداث الجميلة.

هنا كانت اللّذة الحقيقيّة .. لذّة النّجاح!

فـ “لذّة النّجاح تكمن في وعورة الطّريق الّذي مشيته ثمّ اجتزته
دون أن تخسر نفسك لتصل إلى هدفك
هذا ما كنّا نحاول أن نصل إليه جاهدين،
أن تكون خطواتنا أكثر من عثراتنا، وأن نتعلّم في كلّ مرّةٍ نسقط
أنّنا أقوى من تلك الحفرة وأنّنا نستطيع النّهوض على أقدامنا بثباتٍ
والسّير من جديد وكأنّ شيئًا لم يكن،
كنّا ومازلنا نتعلّم من كلّ خطوةٍ نخطوها كيف نحسّنها
ونطوّرها بالشّكل الأنسب لنا.

تجربة قيادة المقهى لم تكن مجرّد تجربة أضيفها على قائمة تجاربي،

هي تجربة أضافت لي الكثير. أضافت لي مبادئ وأسس
أستطيع إسقاطها على أيّ مشروع أو برنامج أقوم به،
أو حتّى مشكلة تواجهني في الدّراسة أو في حياتي اليوميّة وغيرها،
قيادة الفريق قيادة ناجحة ليس بالأمر السّهل كما يتخيّله البعض،
ولكنّ استمرار عمل المقهى جعلها أمرًا سهلًا وبسيطًا بالنّسبة لي،
اعتدت عليه وعلى التّصرّف في كلّ موقفٍ يواجهني.

شكرًا معلّمتي القاسية أنّك أعطيتني درسًا ليس بالسّهل,

في أنّ الإنسان إذا أراد فعلًا الوصول لهدفٍ ما
يمكنه ذلك بعد توفيق الله له مهما كانت صعوبة تحقيقه
وعورة الطّريق المؤدّي إليه.


كن بسيطًا إلّا بأحلامك .. انتزعها من يد الحياة بقوّة!"



هُنا نسخه صوتيه 




ريم الميمان

١٤٣٧.١١.٢٠هـ








فاللهمّ لك الحمدُ حتى ترضى 
ولك الحمدُ إذا رضيت 
ولك الحمدُ بعد الرضا
ولك الحمدُ على كل حال
الحمدُلله الذي بنعمته تتم الصالحات 


لِعرض مُبادرتك :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق